Pages

Friday, March 9, 2012

أصول الفقه-نظم الورقات - الدرس الأول - المقدمة المنهجية


بسم الله الرحمن الرحيم .

شرح نظم الورقات للعمريطي.

مقدمة :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
 سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، 
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى
 الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة 
ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

فهذه دراسة ابتدائية لنظم الشيخ العمريطي رحمه الله في أصول الفقه ، نسأل 
الله تعالى أن ينفع بها وأن تكون ذخرا يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون
 إلا من أتى الله بقلب سليم . وقبل الدخول في أبواب النظم ، يحْسُن بنا أن
 نذكر منهجية الدراسة وبعض الأمور الأخرى التي لا بد من ذكرها .
تعريف الفقه : 
الفقه لغة الفهمُ ، قال تعالى في وصف الكفار : (( لهمْ قلوب لا يفقهون بها ))
 أي لا يستعيون بها لفهم الوحي ، وقال سبحانه : (( قالوا يا شعيب ما نفقه 
كثيرا مما تقول )) أي لا نفهم كثيرا مما تقول)) ، وقال سبحانه : (( وإن من
 شيء إلا يسبحُ بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)) أي لا تفهمون تسبيحهم
 ، وقوله تعالى : (( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي)) .

أما اصطلاحا فهو :
 العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية .

فخرج بقيد "العلم" الجهل ، فالجاهل ليس بفقيه، وخرج بقيد 
" الأحكام الشرعية " الأحكام العقلية  كالواحد أكبر من الاثنين ، والجزء
 أصغر من الكل ، وعدم وجود شيءين في مكان واجد، تخرج بهذا القيد 
أيضا الأحكام العادية ككون النار تحرق فهذا حكم عادي أي جرت به العادة 
، وخرجت كذلك بهذا القيد أحكام العقدية وغير ذلك مما ليس بشرعي .
وخرج بقيد "المستنبطة " كل حكم لم يستنبط ، كالعلم بوجوب الصلاة ،
 فهذا معلوم وقطعي لا استنباط فيه ، فالمراد بالاستنباط ما وقع من اجتهاد
 الفقيه ، ويخرج بقيد الاستنباط أيضا علم الله تعالى وعلم جبريل فلا يكون
 بالاستنباط .
وخرج بقيد "الأدلة" علم المقلد لأنه لا يكون عن دليل.
تعريف أصول الفقه :
أما الأصول لغة فهي جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كالجدار للسقف
 والأساس للبيت، وإن شئت قلت : الأصول هي القواعد والأسس 
– جمع أساس- أيضا ، فإن الله تعالى قال : (( فأتى الله بنيانهم من القواعد))
 أي من أساسها، أي استأصلهم ومعناه أزال أصلهم فلا يكون لهم فرع أبد
ا ، وقال سبحانه : (( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)) .
 وقال تعالى : (( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها)) 
واللينة النخلة ، فالشجر يقوم على أصوله والبناء على قواعده التي هي أسسه .

وعليه ، فإن أصول الفقه هي ذلك العلم الذي يُبْنى عليه الفقه ويؤَسَّسُ
عليه حتى يصير فقها متينا صحيحا.

وهو إن شئت التفصيل :  مجموع الأدلة الإجمالية التي يتوصل الأصولي
بالنظر وإعمال الفكر فيها إلى القواعدُ الكُلِّية فيضعها ، ليستعين بها الفقيه
 في فهم الأدلة الشرعية التفصيلية ، ثم بعد فهمه لها يتَوصَّلُ إلى استنباط
 الأحكام الشرعية العملية منها = أي من الأدلة التفصيلية .

فالأدلة الإجمالية مثل الأمر والنهي والعام والخاص و المطلق و المٌُقّيَّد والإجماع 
والقياس والاستصحاب والناسخ والمنسوخ والقياس الخ ... وكل من هذه
 دليل إجمالي كلي لا يتناول مسألة جزئية مثل إباحة الحوت أو تحريم الخمر الخ ... 
فالأصولي – وهو العالم المشتغل بعلم الأصول – يبحث في جميع الصيغ 
 الواردة في دليل كلي  كالأمر – مثلا – في القرآن ، فيجد أن الأمر يرد 
للدلالة على الوجوب ، وتارة للاستحباب لا للوجوب وتارة للإباحة ،
وتارة للإرشاد والتنبيه وتارة للإعجاز ، ثم يضع قاعدة كلية هي ( الأصل 
في الأمر الوجوب إلا أن تصرفه قرينة عن الوجوب إلى غيره ) ، فهذه 
قاعدة كلية كما ترى  تتضمن حكما كليا ، يأخذها الفقيه مسَلَّمة 
ليستعملها على الأدلة الشرعية التفصيلية = أي الجزئية ، فيأتي إلى قوله
 تعالى (( أقيموا الصلاة)) فيحكم بالوجوب ، ويأتي إلى 
(( فإذا حللتم فاصطادوا)) فيحكم أنه للإباحة ، ويأتي إلى :
 (( فاتوا بسورة مثله )) فيحكم أن المعنى هنا التعجيز ، وهكذا ... 

ومثال آخر : يستقرئ الأصولي كل صيغ العموم – وهذا دليل كلي -
 فيضع قاعدة كلية :        ( العموم يشمل كل أفراده حتى يرد
 ما يخصصه ) أي إنه يشمل كل ما يدخل فيه  حتى يأتي التخصيص،
 فيأخذها الفقيه ويحكم – مثلا – على تحريم كل ميتة وتحريم كل دم 
اعتمادا على قوله تعالى :(( حرمت عليكم الميتة)) ويستثني ميتة الجراد
 والحوت ودم الطحال والكبد اعتمادا على حديث النبي صلى الله 
عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان ،فأما الميتتان فالجراد والحوت ،
وأما الدمان فالكبد والطحال ).

واختصارا ، يقولون في تعريف أصول الفقه :  إنه أدلة الفقه الإجمالية .
وإن شئت قلتت : هو أدلة الفقه الإجمالية وطرق الاستدلال .
 وبعضهم يقول: هو أدلة الفقه الإجمالية وطرق الاستدلال وشروط 
الاجتهاد .
وكلها تعريفات تقريبية تفي بالمطلوب في تقريب معنى أصول الفقه
 إلى الذهن ، وبالممارسة والمدارسة  والتذوق يقع في القلب معنى 
هذا العلم الشريف .

فتعلم من كل هذا أن الأصولي لا يشتغل بالأدلة الجزئية ولا فيما تدل عليه
 من الأحكام الجزئية ، وإنما يبحث في الدليل الكلي وما يدل عليه من 
حكم كلي ، ليضع قواعد كلية يطبقها الفقيه على جزئيات الأدلة الشرعية
 للتوصل إلى الحكم الشرعي التفصيلي منها .

 وتعلم بهذا أيضا أن الفقيه لا يشتغل بالأدلة الكلية ولا فيما تدل عليه 
من أحكام كلية وإنما يبحث في الدليل الجزئي .

مُسْتَمَدُّ أصول الفقه :
يستمد أصول الفقه من ثلاثة أشياء : الأول:أصول الدين وهو التوحيد ، 
ودرج الأصوليون على تسميته بعلم الكلام =وهي تسمية محدثة فيها ما فيها! 
، والثاني العربية والثالث الأحكام الشرعية.
وإليك البيان :
فأمّا التّوحيد : فلأنّه سيبحث في حجّية القرآن، والقراءات، وحجّية السنّة 
متواترتها وآحادها، وأفعال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وعصمته صلى 
الله عليه وسلم ، ولا شكّ أنّ من ضعُف إيمانه في هذه الأصول سيُفسِد 
أكثر ممّا يصلح.


ومن مباحث الأصول: النّسخ، وما أنكره من أنكره إلاّ لاعتقادهم أنّه يستلزم
 البداء، أي أن الله تعالى عندما ينسخ حكما فإنه لا ينسخ إلا لأنه بدا له الخطأ
 والخطل في الحكم الأول تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

ومن مباحث الأصول: الإجماع، وحجّية قول الصّحابيّ، ومن كان اعتقاده
 في الصّحابة فاسدا، كان ما يؤصّله فاسداً.


ومن مباحث الأصول: الأخذ بظاهر النّصّ، وما الذي سيؤصّله من يقول: 
الأخذ بظواهر النّصوص في الصّفات أصل من أصول الكفر 
!

لكل ذلك جعلوا ( علم الكلام ) أي التوحيد من استمداد أصول الفقه .

وأما العربية فلأنها لغة الوحيين ، ولا شك أن فهم النصوص الشرعية متوقف
 على فهم العربية لأنها بلسان عربي مبين ، فمن يجهل معاني الألفاظ وحدودها
 فإنه لا شك جاهل بأحكام الشريعة المؤلفة من هذه الألفاظ ، وعليه ، فمن لم
 يعرف اللفظ المطلق ، واللفظ العام ، والألفاظ المشتركة والمترادفة وما
 تستعمله العرب في لسانها وتتوسع فيه فلن يعرف حكم الله ولا مراده من 
هذه الألفاظ مؤلفة فيما بينها .

وأما الأحكام فلتعلقهما بموضوع علم الأصول ، فلا بد للأصولي من معرفة
 كثير من الأحكام الفرعية ليتمكن بها من إيضاح المسائل الأصولية وتصويرها 
والدربة على تطبيق القواعد الأصولية وبناء الفروع عليها .

الغاية من علم أصول الفقه :

الغاية من علم الفقه هي تطبيق الأحكام الشرعية على أفعال الناس .
أما الغاية من علم أصول الفقه فهي تطبيق قواعده وبحوثه على الأدلة 
التفصيلية للتوصل إلى الفهم الصحيح القويم للأدلة الشرعية التفصيلية 
وما تدل عليه من الأحكام ويزال ما بها من خفاء .

أول من ألف فيه :
اشتهر عند المصنفين في هذا الفن أن أول من صنف في علم أصول الفقه هو
 الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله كما سيرد في النظم ، ويذكرون 
أنه ألف فيه رحمه الله كتابه العظيم : الرسالة الذي أرسل به إلى ابن مهدي
 ، ثم تتابع الناس بعده فمستقل ومستكثر.

هل يُقَدَّم علم الأصول على الفقه أم العكس ؟

قال قوم : لا يبدأ في الفقه حتى يحكم الطالب الأصول ، وقال آخرون لا ! 
بل الفقه أولا ، لأن الإنسان يمكن أن يعرف الفقه دون أن يعرف الأصول ،
 لأن الأصول ليست تبحث في الفقه لكن تبحث في أدلة  الفقه الكلية ،
 وعليه فيمكن للإنسان أن يعرف الفقه قبل أن يعرف الأصول ! وقد ذكر
 عن بعض العلماء أنهم يقرؤون الفقه ولا يقرؤون الأصول إطلاقا . 


والأقرب أن يحكم المسلم فروض العين أولا فيتعلم الفقه الذي يجب عليه 
عينا ،  ويعمل به ،ثم بعد ذلك قدَّم ما يراه الأنسب لحاله . والله أعلم . 
والأمر أشبه بتعلم النحو والكلام العربي ، فهل يقدم المسلم العربية على
 النحو أم يقدم النحو على العربية ، والأقرب أن يتعلم ما تعبده الله به من
 الكلام العربي كالبسملة عند الأكل والسلام عليكم وألفاظ الصلاة 
 الواجبة والمسنونة ، وما شابه ذلك ، حتى إذا أتقن ما فرض الله عليه من
 العبادات اللفظية ، كان له أن يتعلم النحو ليجعله ميزانا على سلامة ما
 يريد النطق به  والله أعلم .

نظرة في علم أصول الفقه :
يذكر العلماء أن علم أصول الفقه خرج عن صفائه ، ودخل فيه كثير من
 مسائل علم الكلام المذموم الذي يتناول البحث في الشريعة استقلالا من
طريق العقل ، واشتهر من أئمة المتكلمين كثير من أكابرهم الإمام الجويني 
صاحب الورقات والإمام الرازي صاحب المحصول في علم الأصول . 
وكلا الرجلين ندم على اشتغاله بعلم الكلام وإعمال العقل في غير موارده 
 وتركه القرآن والحديث .
فأما الجويني فقال عنه الذهبي في السير:[ كان هذا الإمام مع فرط ذكائه
 وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما
 يليق به لا متنا ولا إسنادا] وقال عنه الذهبي أيضا : [قال الفقيه غانم
 الموشيلي : سمعت الإمام أبا المعالي يقول : لو استقبلت من أمري ما
 استدبرت ما اشتغلت بالكلام.] وقال عنه أيضا : [ قال الحافظ محمد
 بن طاهر:سمعت أبا الحسن القيرواني الأديب وكان يختلف إلى درس أبي
 المعالي في الكلام :فقال : سمعت أبا المعالي اليوم يقول : يا أصحابنا لا
 تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به] ،
 وقال عنه :
[وحكى الفقيه أبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قال :حكى لنا أبو 
الفتح الطبري الفقيه قال :دخلت على أبي المعاليفي مرضه فقال : اشهدوا
 علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة وأني أموت على ما يموت
 عليه عجائز نيسابور] .

وأما الرازي فقد اعترف في آخر عمره في أبيات بما قاله الإمام الجويني
 رحمه الله فقال في أبيات :
والمعنى : أن مآل العقول التي تطرق أبواب الغيب لتعلمه عقالٌ 
يعقلها ، والعقال هو ما تربط به الدابة لتُمنعَ من الدب على 
الأرض، ثم قال : وغاية أي ونهاية ما يسعى إليه أهل الكلام
 بالكلام في العقائد بمعزل عن النور الإلهي ضلال في ظلام !
 فأنى للعقل أن يستقل بإدراك الغيب وقد جعله الله غيبا ولم 
يخص ببعضه إلا المصطفَيْن من خلقه .
والمعنى : إن أرواحهم في وحشة وضنك وضيق في جسومهم ، فلو
 كان ذلك العلم حقا ويقينا لكان علما نافعا يورث السكينة 
والطمأنينة والثبات ، فلما لم يكنْ ، صار كل ما تعلموه من 
الكلام أذى ووبالا ، قال في لسان العرب:الوَبالُ في الأَصل 
الثِّقَل والمكروه.          

وإنما كانت أرواحهم في وحشة من جسومهم لأن البدن يمشي على 
قانون الله لا يخرج عنه ، وأما الروح فخرجت عن أمر الله بالكفر  والمعاصي
 ، فحصل بسبب النقيضين تنافر بين الروح والجسد. وكلما خبثت الروح
 ازدادت المعاصي والذنوب على القلوب ، فازدادت بسبب ذلك الوحشة 
والنفار بين البدن والروح والعياذ بالله ، ثم قال :
وهذه محصلة علم الكلام والجدال في آيات الله بغير علم ، فأصابهم 
المقتُ من الله إذ اشتروا بكلام الله كلام غيره من منطق اليونان 
ووحي الشيطان فأصيبوا في مقتل والله المستعان .

والمقصود من كل هذا أن تعلم أن علم أصول الفقه تسرَّب إليه
 علم الكلام المذموم ومصطلحاته وطلاسمه، وفتحت فيه أبواب
 لمسائل ما كان لها أن تفتح ، وهي مع هذا عديمة الجدوى لا تنفع
 في دين ولا دنيا ، إلا عقيم الجدال وكثرة القيل والقال، والله 
المستعان ، وسنضرب لذلك أمثلة في حينه ليحذرها الطالب ، 
والمعصوم من عصمه الله .
ويقودنا هذا إلى الكلام على منهجية دراسة علم الأصول .

منهجية الدراسة :
·      أولا ترك التزام الحدود على طريقة المنطقيين والمتكلمين ، والاكتفاء بالتعريفات
 التقريبية .
لن نلتزم في هذه الدراسة بالحدود المنطقية ، والمقصود بها أن تتحرى كلاما
 جامعا مانعا يبين حقيقة الشيء المراد تعريفه بحيث لا يغادر هذا التعريف
 صغيرة ولا كبيرة من حقيقة هذا الشيء إلا شملها ، ثم هو مع هذا لا يدخل
 فيه ما ليس منه ، وسنكتفي بالتعريف التقريبي إذ المقصود حصول الفهم
 لا تحري الحدود على ما اشترطه المناطقة حتى يضيع العمر في الاعتراضات
 والردود عليها .

قال الشاطبي في الموافقات : [ كما إذا طلب معنى الملك فقيل : إنه خلق من 
خلق الله يتصرف في أمره ، أو معنى الإنسان فقيل إنه هذا الذي أنت من 
جنسه ، أو معنى التخوف فقيل هو التنقص أو معنى الكوكب فقيل هذا
 الذي نشاهده بالليل ، ونحو ذلك ، فيحصل فهم الخطاب مع هذا الفهم
 التقريبي حتى يمكن الامتثال ، وعلى هذا وقع البيان في الشريعة ، كما قال
 عليه السلام :( الكبْرُ بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس)  ففسر بلازمه الظاهر لكل
 أحد ، وكما تفسر ألفاظ القرآن والحديث بمرادفاتها / لغة من حيث 
كانت أظهر في الفهم منها ، وقد بين عليه الصلاة والسلام الصلاة والحج
 بفعله وقوله على ما يليق بالجمهور وكذلك سائلا الأمور ، وهي عادة
 العرب والشريعة عربية ، ولأن الأمة أمية فلا يليق بها من البيان إلا الأمي...
. إلى أن قال : فإذا التصورات المستعملة في الشرع إنما هي تقريبات 
بالألفاظ المترادفة وما قام مقامها من البيانات القريبة . ] اه.

وضرب الشاطبي رحمه الله لطريقة المناطقة أمثلة فقال : [ كما إذا طلب معنى
 الملك فأحيل به على معنى أغمض منه وهو :ماهية مجردة عن المادة أصلا 
أو يقال : جوهر بسيط ذو نهاية ونطق عقلي ]

ثم عاب رحمه الله هذه الطيقة وقال : [ فإن هذا تسور على طلب معرفة 
ماهيات الأشياء ، وقد اعترف أصحابه بصعوبته ، بل قد نقل بعضهم أنه
 عندهم متعذر ، وأنهم أوجبوا ألا يُعرف شيء من الأشياء على حقيقته 
إذ الجواهر لها فصول مجهولة] اه.

ثم قال رحمه الله : [ فظهر أن الحدود على ما شرطه أرباب الحدود يتعذر
 الإتيان بها ، ومثل هذا لا يجعل من العلوم الشرعية التي يستعان بها فيها ]اه.

وعلى هذا فالتزام تدريس علم الأصول مع تحري هذه الحدود واشتراطها
 ليس طريقة حكيمة ، إذ التدريس تعليم لمجهول بالاستعانة بلفظ جلي 
واضح وتركيب مبين ، وأما تدريس معلوم بغامض أو بملغز فهذا لا يفيد
 العلم قطعا.

·      التزام عدم الخوض فيما لا عمل وراءه.
كما سنلتزم في هذه الدراسة بذكر ثمرة دراسة المسألة   – ما أمكن –  
وإلا  ، فكما قال الشاطبي في الموافقات [ كل مسألة لا ينبني عليها عمل
 فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي  ... ثم قال
  :  والدليل على ذلك استقراء الشريعة ، فإنا رأينا الشارع يعرض عما
 لا يفيد عملا مكلفا به ففي القرآن الكريم :(( يسألونك عن الأهلة قل 
هي مواقيت للناس والحج)) ، فوقع الجواب بما يتعلق به العمل إعراضا 
عما قصده السائل من السؤال عن الهلال لم يبدو في أول الشهر دقيقا 
كالخيط ثم يمتلئ حتى يصير بدرا ثم يعود إلى حالته الأولى ؟ ......وقال تعالى
 بعد سؤالهم عن الساعة : [ أيان مرساها فيم أنت من ذكراها] أي
إن السؤال وقع عما لا يعني ، إذ يكفي من علمها أنه لا بد منها، 
ولذلك قال للسائل : ما أعددت لها ؟ إعراضا عن صريح سؤاله إلى ما
 يتعلق بها مما فيه فائدة ، ولم يجبه عما سأل ]اه.

وقد نضطر اضطرارا  إلى التعرض للمسألة ولو لم يظهر لنا فيها ثمرة لكن
 لشهرتها وكثرة ورودها في كتب الأصول فإنا سنشير إليها إشارة يسيرة ،
 مع بيان أنه لا عمل تحتها .

·      التزام ذكر ثمرة الخلاف ما أمكن ، وعدم التطويل بما لا ثمرة له :
فسنلتزم في هذه الدراسة  - إن شاء الله -  بذكر ثمرة الخلاف – ما أمكن
 – حيثما وقع خلاف معتبر بين العلماء ، أما ما يظهر أنه لا يثمر في ا
لفروع فسنكتفي بالإشارة إليه دون التطويل وإضاعة العمر فيها .
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات : [ المسائل التي  يختلف فيها فلا ينبني على
 الاختلاف فيها فرع عملي ، إنما تعد من مُلح العلم كالمسائل المنبه عليها 
قبل في أصول الفقه ويقع كثير منها في سائر العلوم ، وفي العربية منها كثير
 ، كمسألة اشتقاق الفعل من المصدر ، ومسألة اللهمَّ ، ومسألة أشيءا ،
 ومسألة الأصل في لفظ الاسم ، وإن انبنى البحث فيها على أصول مطردة ،
 ولكنها لا فائدة تجنة ثمرة للاختلاف فيها ، فهي خارجة عن صُلْب العلم .] اه.

·      ترك ذكر المسائل التي ليست من أصول الفقه إلا عند الضرورة .
كما سنلتزم في هذه الدراسة التنبيه على بعض المسائل التي زيدت في أصول
 الفقه وليست منه حقيقة ، وإنما أقحمها المتكلمون ومن تأثر بهم من 
العلماء المشتغلين بهذا الفن .
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات : [ كل مسألة مرسومة في أصول الفقه 
لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية أو لا تكون عونا على ذلك ،
 فوضعها في أصول الفقه عارية ... إلى أن قال : وعلى هذا يخرج عن
 أصول الفقه كثير من المسائل التي تكلم عليها المتأخرون وأدخلوها فيها
 كمسألة ابتداء الوضع ، ومسألة الإباحة هل هي تكليف أم لا ، ومسألة 
أمر المعدوم ، ومسألة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم متعبدا بشرع 
أم لا (يعني قبل البعثة)  الخ ... )اه.

·      اجتناب المقدمات المنطقية والمصطلحات الكلامية ما أمكن .
وسنلتزم كذلك ما أمكن طرح المقدمات المنطقية والمصطلحات الكلامية إلا
 الشيء اليسير جدا مما لا يثقل على القلوب وَيُنَفِّرُها ، وهو مع هذا مما يعي
ن على الفهم ويزيد في المَلَكة الأصولية لدى طالب هذا الفن .
·      ضرب الأمثلة في الدراسة :
وسنلتزم - إن شاء الله ما أمكن - ضرب الأمثلة في هذه الدراسة لكل
 المسائل المدروسة لكي تكون تدريبا عمليا على تكوين الملكة الأصولية 
، غير أنه كما قال في مراقي السعود :
والشأنُ : لا يُعترَضُ المثالُ     إذ قد كفى الفرضُ والاحتمالُ
أي أن المثال ا إنما يؤتى به لتوضيح القاعدة وبيانها لا لتقريرها ، وعليه 
فلا يحسُنُ الاعتراض على المثال ، والجدال في صحة التمثيل به ، لأنه لم
 يُسَقْ لتقرير القاعدة ، بخلاف الشاهد فإنه يُعْترض عليه ويُجادَلُ فيه لأنه 
 إنما يؤتى به لتصحيح القاعدة .
إلا أننا مع هذا سنستعين ببيان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدراسة، 
ولن ندرس الأصول بمعزل عن الوحيين لأن الأصول إنما تدرس لخدمة 
الاستدلال والاستنباط من الوحيين لا لشيء آخر.
 هذا ، ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق والسدادا ، والعمل بالعلم ، 
والله أعلى وأعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله 
وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

No comments:

Post a Comment