الحمد لله .
تهذيب كتاب: ( المثل السائر في أدب
الكاتب و الشاعر)
لابن الأثير الجزري
رحمه الله .
بسم
الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة
للعالمين ، وعلى آله و من تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
فهذا تهذيب كتاب المثل السائر الذي الذي ألفه ضياء الدين بن
الأثير رحمه الله في أدب الكاتب والشاعر ،
أقدمه مهذبا ومختصرا لكل باحث ودارس لأصول الكتابة وفن المعاني و البيان ، أسأل
الله تعالى أن ييسر إتمامه ، وأن يرزقني الإخلاص فيه إنه سميع قريب مجيب .
{ خطبة الكتاب }
بسم الله
الرحمن الرحيم .
نسأل الله أن يبلغ بنا من الحمد ما هو أهله ،وأن يوفقنا للصلاة
على نبينا ومولانا محمد ،أفصح من نطق بالضاد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فإن علم البيان لتأليف النظم والنثر بمنزلة أصول الفقه
للأحكام وأدلة الأحكام ، وقد ألف فيه الناس كتبا ، <وهذا كتاب في هذا العلم
الشريف> وقد بنيته على مقدمة ومقالتين :
فالمقدمة تشتمل على أصول علم البيان ، والمقالتان تشتملان
على فروعه ، فالأولى في الصناعة اللفظية ، والثانية في الصناعة المعنوية .
واعلم أيها النااظر في كتابي أن مدار علم البيان على حاكم
الذوق السليم ، الذي هو أنفع من ذوق التعليم ، وهذا الكتاب ، وإن كان فيما يلقيه
إليك أستاذا ، وإذا سألت عما ينتفع به في فنه قيل لك هذا ! فإن الدربة و الإدمان
أجدى عليك نفعا ، وأهدى بصرا وسمعا ، وهما يريانك الخبر عيانا ، ويجعلان كل جارحة
منك قلبا ولسانا ، فخذ من هذا الكناب ما أعطاك ، واستنبط بإدمانك ما أخطاك ، وما
مثلي فيما مهدته لك من هذا الطريق إلا كمن طبع سيفا ووضعه في يمينك لتقاتل به ،
وليس عليه أن يخلق لك قلبا ، فإن حمل النصال غير مباشرة القتال.
{ مقـدمـة الكتـاب }
أما مقدمة
الكتاب فإنها تشتمل على عشرة فصول وهي :
الأول
موضوع علم البيان ، والثاني آلات علم البيان ، والثالث الحكم على المعاني ،
والرابع
الترجيح بين المعاني ، والخامس معرفة الأحكام السلطانية ، والسادس حفظ
القرآن
الكريم ، والسابع حفظ الأخبار النبوية ، والثامن العروض والقوافي والتاسع
أركان
الكتابة والعاشر الطريق إلى تعلم الكتابة .
الفصل الأول : في
موضوع علم البيان :
موضوع كل علم هو الشيء الذي يسأل فيه عن
أحواله التي تعرض لذاته .
فموضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين ،
والفقيه يسأل عن أحوالها التي تعرض لها
من الفرض والنفل والحلال والحرام والندب
والمباح وغير ذلك .
وموضوع علم الطب هو بدن الإنسان ،
والطبيب يسأل عن أحواله التي تعرض له
من حيث صحته وسقمه .
وموضوع علم الحساب هو الأعداد ، والحاسب
يسأل عن أحوالها التي تعرض لها
من الضرب والقسمة وغير ذلك .
وكذلك يجري في كل علم من العلوم ، وبهذا
الضابط انفرد كل علم برأسه ولم يختلط
بغيره .
وعلى هذا فموضوع علم البيان هو الفصاحة
والبلاغة ، وصاحبه يسأل عن أحوالهما
اللفظية والمعنوية ، وهو والنحوي ، وإن
كانا يشتركان في دلالة الألفاظ على المعاني
من جهة الوضع اللغوي <أي التركيب >
فصاحب علم البيان ينظر في فضيلة تلك
الدلالة ، والمراد بها : أي أن تكون على
هيئة مخصوصة من الحسن ، وذلك أمر
وراء النحو والإعراب . ألا ترى أن النحوي
يفهم معنى الكلام المنظوم والمنثور
ويعلم مواقع إعرابه ، ومع ذلك فإنه لا
يفهم ما فيه من الفصاحة والبلاغة .
الفصل الثاني: في آلات
علم البيان وأدواته :
اعلم
أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم والمنثور تفتقر إلى آلات كثيرة ، فإذا
ركب الله في الإنسان طبعا قابلا لهذا الفن فإنه حينئذ يفتقر إلى ثمانية أنواع من
الآلات :
النوع الأول : معرفة النحو والصرف ،
والثاني معرفة ما يحتاج إليه من اللغة ،
وهو المتداول المألوف استعماله في فصيح الكلام غير الوحشي الغريب ولا المستكره
المعيب ، والثالث معرفة أمثال العرب
وأيامهم ، والرابع الإطلاع على التآليف المتقدمة لأرباب هذه الصناعة وحفظ الكثير
منه ، والخامس معرفة الأحكام السلطانية في الإمامة والإمارة والقضاء والحسبة وغير
ذلك ، والسادس حفظ القرآن الكريم والتدرب على استعماله وإدراجه في مطاوي الكلام ،
والسابع حفظ ما يحتاج إليه من الأخبار النبوية ، والسلوك بها مسلك القرآن في
الاستعمال ، والثامن معرفة العروض والقوافي لأهل النظم وما يستقيم به ميزان الشعر
.
أهمية هذه الآلات
وفوائدها :
علم النــحـو :
أما علم النحو، فهو أول ما ينبغي إتقان
معرفته لكل أحد ينطق باللسان العربي ليأمن معرة اللحن ، وأول من تكلم في النحو أبو
الأسود الدؤلي ، وسبب ذلك أنه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له : "يا أبت ما
أشدّ ُ الحـر " ورفعت أشد ، فظنها مستفهمة فقال : " شهر ناجر " ،
فقالت : " يا أبت إنما أخبرتك ولم
أسألك ! " فأتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : " يا أمير المومنين
ذهبت لغة العرب ، ويوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل " فقال له : "وما
ذاك " فأخبره خبر ابنته ، فقال : هلم
صحيفة ، ثم أملى عليه : " الكلام لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى "
ثم رسم له رسوما ، فنقلها النحويون في كتبهم ، وقيل غير ذلك في قصة لأبي الأسود
الدؤلي مع زياد بن أبيه .
ثم جاء بعده ميمون الأقرن فزاد عليه ، ثم
جاء بعده عنبسة المهري فزاد عليه ، ثم جاء بعده عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي
وأبو عمرو بن العلاء فزادا عليه ، ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي ، ثم
تتابع الناس .
علـم الصــرف :
وأما التصريف ، فإنه إذا لم يكن عارفا به
، أفسد عليه – الجهل به - أوضاع كلامه ،على أن المخطئ في التصريف أندر وقوعامن
المخطئ في النحو ، فإن النحو يقع فيه الخطأ كثيرا ، وكل ذلك يقدح في المتكلم ،
وقـد وقع الغلط فيه للأكابر، كأبي تمام
حيث قال :
بالقائم الثامن المستخلف اطأدت ** قواعد
الملك ممتدا لها الطــولُ
ألا ترى أنه قال " اطأدت "
والصواب اتطدت ، لأنك إذا بنيت افتعل من من المعتل الواو مثل وعد قلت " اتعـد
"، ومثله ما ورد في البيت ، ولم يكد يسلم من مثل هذا أحد من الشعراء المفلقين
المتقدمين كالمتنبي و أبي تمام ، فإما أن يكون أخطأ في تصريف الكلمة ، وإما أن
يكون لحن لحنا يدل على جهله مواقع الإعراب ، والمعصوم من عصمه الله تعالى .
No comments:
Post a Comment