Pages

Monday, March 12, 2012

علـوم البلاغـة -- دراسة المؤلفأت - تهذيب كتاب المثل السائر - 1

الحمد لله .


تهذيب كتاب: ( المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر)
لابن الأثير الجزري رحمه الله .



بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله و من تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :

فهذا تهذيب كتاب المثل السائر الذي الذي ألفه ضياء الدين بن الأثير رحمه الله  في أدب الكاتب والشاعر ، أقدمه مهذبا ومختصرا لكل باحث ودارس لأصول الكتابة وفن المعاني و البيان ، أسأل الله تعالى أن ييسر إتمامه ، وأن يرزقني الإخلاص فيه إنه سميع قريب مجيب .

{ خطبة الكتاب }

بسم الله الرحمن الرحيم .

نسأل الله أن يبلغ بنا من الحمد ما هو أهله ،وأن يوفقنا للصلاة على نبينا ومولانا محمد ،أفصح من نطق بالضاد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فإن علم البيان لتأليف النظم والنثر بمنزلة أصول الفقه للأحكام وأدلة الأحكام ، وقد ألف فيه الناس كتبا ، <وهذا كتاب في هذا العلم الشريف> وقد بنيته على مقدمة ومقالتين :


فالمقدمة تشتمل على أصول علم البيان ، والمقالتان تشتملان على فروعه ، فالأولى في الصناعة اللفظية ، والثانية في الصناعة المعنوية .

واعلم أيها النااظر في كتابي أن مدار علم البيان على حاكم الذوق السليم ، الذي هو أنفع من ذوق التعليم ، وهذا الكتاب ، وإن كان فيما يلقيه إليك أستاذا ، وإذا سألت عما ينتفع به في فنه قيل لك هذا ! فإن الدربة و الإدمان أجدى عليك نفعا ، وأهدى بصرا وسمعا ، وهما يريانك الخبر عيانا ، ويجعلان كل جارحة منك قلبا ولسانا ، فخذ من هذا الكناب ما أعطاك ، واستنبط بإدمانك ما أخطاك ، وما مثلي فيما مهدته لك من هذا الطريق إلا كمن طبع سيفا ووضعه في يمينك لتقاتل به ، وليس عليه أن يخلق لك قلبا ، فإن حمل النصال غير مباشرة القتال.

{ مقـدمـة الكتـاب }

أما مقدمة الكتاب فإنها تشتمل على عشرة فصول وهي :
الأول موضوع علم البيان ، والثاني آلات علم البيان ، والثالث الحكم على المعاني ،
والرابع الترجيح بين المعاني ، والخامس معرفة الأحكام السلطانية ، والسادس حفظ
القرآن الكريم ، والسابع حفظ الأخبار النبوية ، والثامن العروض والقوافي والتاسع
أركان الكتابة والعاشر الطريق إلى تعلم الكتابة .

الفصل الأول : في موضوع علم البيان :

موضوع كل علم هو الشيء الذي يسأل فيه عن أحواله التي تعرض لذاته .
فموضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين ، والفقيه يسأل عن أحوالها التي تعرض لها
من الفرض والنفل والحلال والحرام والندب والمباح وغير ذلك .
وموضوع علم الطب هو بدن الإنسان ، والطبيب يسأل عن أحواله التي تعرض له
من حيث صحته وسقمه .
وموضوع علم الحساب هو الأعداد ، والحاسب يسأل عن أحوالها التي تعرض لها
من الضرب والقسمة  وغير ذلك .
وكذلك يجري في كل علم من العلوم ، وبهذا الضابط انفرد كل علم برأسه ولم يختلط
بغيره .
وعلى هذا فموضوع علم البيان هو الفصاحة والبلاغة ، وصاحبه يسأل عن أحوالهما
اللفظية والمعنوية ، وهو والنحوي ، وإن كانا يشتركان في دلالة الألفاظ على المعاني
من جهة الوضع اللغوي <أي التركيب > فصاحب علم البيان ينظر في فضيلة تلك
الدلالة ، والمراد بها : أي أن تكون على هيئة مخصوصة من الحسن ، وذلك أمر
وراء النحو والإعراب . ألا ترى أن النحوي يفهم معنى الكلام المنظوم والمنثور
ويعلم مواقع إعرابه ، ومع ذلك فإنه لا يفهم ما فيه من الفصاحة والبلاغة .

الفصل الثاني: في آلات علم البيان وأدواته :

اعلم  أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم والمنثور تفتقر إلى آلات كثيرة ، فإذا ركب الله في الإنسان طبعا قابلا لهذا الفن فإنه حينئذ يفتقر إلى ثمانية أنواع من الآلات :
النوع الأول : معرفة النحو والصرف ، والثاني معرفة ما يحتاج إليه من اللغة  ، وهو المتداول المألوف استعماله في فصيح الكلام غير الوحشي الغريب ولا المستكره المعيب  ، والثالث معرفة أمثال العرب وأيامهم ، والرابع الإطلاع على التآليف المتقدمة لأرباب هذه الصناعة وحفظ الكثير منه ، والخامس معرفة الأحكام السلطانية في الإمامة والإمارة والقضاء والحسبة وغير ذلك ، والسادس حفظ القرآن الكريم والتدرب على استعماله وإدراجه في مطاوي الكلام ، والسابع حفظ ما يحتاج إليه من الأخبار النبوية ، والسلوك بها مسلك القرآن في الاستعمال ، والثامن معرفة العروض والقوافي لأهل النظم وما يستقيم به ميزان الشعر .
أهمية هذه الآلات وفوائدها :
علم النــحـو :
أما علم النحو، فهو أول ما ينبغي إتقان معرفته لكل أحد ينطق باللسان العربي ليأمن معرة اللحن ، وأول من تكلم في النحو أبو الأسود الدؤلي ، وسبب ذلك أنه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له : "يا أبت ما أشدّ ُ الحـر " ورفعت أشد ، فظنها مستفهمة فقال : " شهر ناجر " ، فقالت : " يا أبت  إنما أخبرتك ولم أسألك ! " فأتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : " يا أمير المومنين ذهبت لغة العرب ، ويوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل " فقال له : "وما ذاك " فأخبره خبر ابنته ، فقال  : هلم صحيفة ، ثم أملى عليه : " الكلام لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى " ثم رسم له رسوما ، فنقلها النحويون في كتبهم ، وقيل غير ذلك في قصة لأبي الأسود الدؤلي مع زياد بن أبيه .

ثم جاء بعده ميمون الأقرن فزاد عليه ، ثم جاء بعده عنبسة المهري فزاد عليه ، ثم جاء بعده عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأبو عمرو بن العلاء فزادا عليه ، ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي ، ثم تتابع الناس .

علـم الصــرف :
وأما التصريف ، فإنه إذا لم يكن عارفا به ، أفسد عليه – الجهل به - أوضاع كلامه ،على أن المخطئ في التصريف أندر وقوعامن المخطئ في النحو ، فإن النحو يقع فيه الخطأ كثيرا ، وكل ذلك يقدح في المتكلم ، وقـد وقع الغلط فيه  للأكابر، كأبي تمام حيث قال :
بالقائم الثامن المستخلف اطأدت ** قواعد الملك ممتدا لها الطــولُ
ألا ترى أنه قال " اطأدت " والصواب اتطدت ، لأنك إذا بنيت افتعل من من المعتل الواو مثل وعد قلت " اتعـد "، ومثله ما ورد في البيت ، ولم يكد يسلم من مثل هذا أحد من الشعراء المفلقين المتقدمين كالمتنبي و أبي تمام ، فإما أن يكون أخطأ في تصريف الكلمة ، وإما أن يكون لحن لحنا يدل على جهله مواقع الإعراب ، والمعصوم من عصمه الله تعالى .






No comments:

Post a Comment